على الورقة البيضاء
في بداية كل عام، أفتح دفتري وأجلس في ركن هادئ، أكتب كل خططي وأمنياتي للعام الجديد، بحماس وأمل كبير، كأن العالم يتسع فجأة لكل أحلامي.
أمسك قلمي، أفتح الغلاف، أشم رائحة الورق الجديد، عبق يذكرني دائمًا بالبدايات، أحب رائحة البدايات بالمناسبة، فيها شيء يشبه الكذبة الجميلة التي نصدقها كل مرة.
أكتب: سأتعلم لغة جديدة
أتخيل نفسي في باريس، أطلب قهوة بفرنسية رشيقة، وأبتسم للنادل الذي يبتسم لي، معجبًا بلكنتي الأنيقة.
أكتب الأمنية وأنا مقتنعة أنني هذه المرة جادة.
أكتب: سأقرأ ثلاثين كتابًا
ثلاثون! رقم طموح ومعقول في الوقت نفسه، كتابان ونصف شهريًا، سهل.
أتخيل رفّي يمتلئ بكتب قرأتها وفهمتها وأثرت فيّ، وأنا أحكي لصديقة: ”آه، هذا الكتاب غير نظرتي للحياة.“
أتخيل نفسي في نهاية العام أنظر للرف بفخر، ثلاثون كتابًا، كاملة، مقروءة، مفهومة.
أكتب الرقم وأضع خطًا تحته.
أكتب: سأتقن السالسا
أتخيل نفسي في حفل، الموسيقى اللاتينية تملأ المكان، وأنا أتحرك بثقة ورشاقة، أعرف الخطوات، أفهم الإيقاع، أستمتع دون تردد.
أتخيل نفسي أرقص كأنني ولدت وأنا أعرف كيف، بلا خجل، بلا تفكير، فقط أنا والموسيقى.
أكتب الأمنية وأبتسم
أكتب: سأسافر
لا أكتب أين، فقط سأسافر، أي مكان.
أتخيل نفسي في مطار، أحمل حقيبة خفيفة، أرتدي نظارة شمسية، أبدو كشخص يسافر كثيرًا والمطارات تعرفه جيدًا.
أتخيل نفسي أمشي في شوارع مدينة غريبة، أدخل مقاهيها، أتحدث مع ناسها، أعود بقصص جديدة وذكريات جميلة.
وفي زاوية ما من الورقة البيضاء، أكتب أمنية لا أجرؤ أن أقولها بصوت عالٍ، كأن مجرد النطق بها قد يفسدها.
أكتبها بخط صغير جدًا، حتى أنا بالكاد أقرأها، لكنها هناك، موجودة وتنتظر.
ثم يمرّ العام
يمرّ العام ببطء مخادع في البداية، ثم بسرعة مريبة، كأن أحدًا ضغط على زر التسريع ونسي أن يخبرني.
الأيام تتراكم، الأسابيع تمر، والشهور تنقضي.
بعض الأمنيات تذبل سريعًا، بعضها ينمو بالكاد، وكثير منها يظل حيث تركته.
اللغة؟ بدأت بحماس، حملت تطبيقًا، تعلمت كلمات: Enchantée, Ravie, Pâtisserie.
متحمسة، منتظمة، مصرّة على النجاح.
ثم نسيت أن أفتح التطبيق يومًا، ثم أسبوعًا، ثم شهرين.
والآن لا أتذكر كيف سأطلب من النادل قهوتي بالفرنسية، لكن لا بأس، ربما العام القادم.
الكتب؟ قرأت تسعة، أو عشرة.
بعضها جيد، بعضها ممل، بعضها لم أكمله.
ثلاثون كان رقمًا طموحًا فعلًا، ربما مبالغًا فيه، لكن تسعة شيء، أليس كذلك؟
الرقص؟ سجلت في درس سالسا تجريبي.
ذهبت مرة، ربما مرتين.
شعرت بالحرج، بالخجل، بأنني لا أعرف ماذا أفعل.
وقررت أنني لن أكمل هذه المرة، ربما العام القادم أكون أكثر شجاعة.
السفر؟ لم أسافر، لكني شاهدت أفلامًا وثائقية عن أماكن جميلة، وهذا يُحسب، نوعًا ما.
وخططت لرحلات كثيرة في ذهني، ووضعت قوائم بأماكن أريد زيارتها، هذا يُحسب أيضًا، أليس كذلك؟
والأمنية الخجولة؟ لا تزال في مكانها،
صغيرة، خجولة، تنتظر.
لماذا نكتب نفس الأمنيات كل عام؟
ربما لأننا نحب الكذبة، نحب أن نصدق، ولو لساعة واحدة في بداية العام، أننا سنكون نسخة أفضل من أنفسنا، أن هذه السنة ستكون مختلفة.
وهذا الإيمان المؤقت، رغم سذاجته، جميل.
نحن نعرف في قرارة أنفسنا أننا ربما لن نحقق كل هذا،
ولكن الكتابة نفسها تمنحنا شيئًا: الأمل، والأمل، حتى لو كان وهمًا، أفضل من لا شيء.
ثم نعود
ثم ثانية، في بداية العام الجديد، أعود لنفس الطقس، كأنني لأول مرة أجرب أن أضع أملًا جديدًا على ورقة.
أفتح دفتري وأجلس في ركن هادئ، أكتب كل خططي وأمنياتي للعام الجديد، بحماس وأمل كبير، كأن العالم يتسع فجأة لكل أحلامي.