⁠العاشرة مساءً
٨٤٤ كلمة

منذ عام تقريبًا، بدأ جوجل يلح علي يوميًا بتحذير صريح: احذف بعض الصور والرسائل. سنتوقف عن الاحتفاظ بأي شيء يخصك.

تجاوزت ثمانين بالمئة من مساحة التخزين المسموحة، تسعين بالمائة، وهكذا.

أحاول حذف بعض الأشياء عشوائيًا ولكن بلا فائدة.

ثم أرسل لي جوجل عرضًا مغريًا:

ما رأيك في شراء مساحة تخزين تصل إلى مائة جيجا؟ بنصف الثمن.

ترددت في البداية. لا زلت أتعجب من فكرة الإنفاق على أشياء افتراضية. مساحة التخزين هذه ليست شيئًا يمكنني رؤيته.

لكن تكرار التحذير، وتصاعد لهجته، بدأ يقلقني. كانت هذه مجازفة كبيرة: سأفقد صوري العزيزة على قلبي، وأنا من هواة توثيق كل ذكرى. بل سأفقد إمكانية الوصول لرسائل العمل الجديدة.

لم يعد لدي خيار. اشتركت في الخدمة. خصوصًا أن السعر، بعد الخصم، أصبح زهيدًا جدًا مقارنة بأسعار الخدمات الأخرى.

مر عام سعيد لا أتلقى فيه أي تحذيرات، وأحتفظ بكل ما شئت من صور لي ولأصدقائي ولقطط الشوارع ولوقت الغروب.

بعد أن اطمأن قلبي وغرّتني الأماني، جاء موعد التجديد السنوي.

اكتشفت أن سعر الاشتراك السنوي قد تضاعف خمس مرات تقريبًا. أصبح الآن مبلغًا محترمًا،

تستدرجك الشركات في البداية، ثم تصبح غير قادر على الاستغناء عن الخدمة مهما رفعوا السعر. هذا ما حدث فعلًا، لأني لو لم أجدد الاشتراك سأخسر كل الصور، رضخت وجددته، لكن القصة لم تنته هنا.

بعد شهر واحد فوجئت بجوجل يخبرني أن المساحة التي دفعت ثمنها على وشك الانتهاء هي الأخرى! وأنه إذا كنت أرغب، إذا، فيمكنني مضاعفة المساحة، مرة أخرى، بضعف الاشتراك الذي أدفعه بالفعل.

قررت هذه المرة ألا أقع في الفخ، وعرفت أن اللحظة التي كنت أؤجلها قد حانت أخيرًا: لحظة تنظيم الصور وحذف ما يمكن الاستغناء عنه.

الخطوة الأولى البديهية في هذه الحالة هي الحذف. كان من الأسهل البدء بمسح الأشياء الجافة تمامًا الخالية من أي عاطفة.

هذا هو ما أرشحه لك أيها الواقع في المأساة نفسها.

كتبت في خانة البحث في برنامج الصور بجوجل: أوراق. ووجدت الكثير من الأوراق التي يمكن حذفها، أوراق من وقت الكلية، وبما أني تخرجت الحمد لله فيمكن حذفها بضمير مرتاح.

مئات الأوراق.. أبقيت منها واحدة فقط من باب الذكرى، وهو ما فعلته مع الباقي. وجدت مثلًا حوالي عشرين صورة لجواز سفري، ومثلها لبطاقتي، وكارنيهات النقابات، ورخصة القيادة، حذفت كل الصور المكررة واخترت أوضح صورة من كل مجموعة لتبقى.

إذا انتهيت من حذف الأوراق بنجاح، يمكنك البحث عن ملف آخر وهو لقطات الشاشة.

غالبًا ستجد مثل ما وجدت أنا: عشرات الايفيهات والميمز منتهية الصلاحية، فلم يعد هناك قيمة للاحتفاظ بها، لقطات لتعليقات أخذتها لمشاركتها مع الأصدقاء والتندر. صور لمطاعم لتجربتها قد أغلقت أبوابها بالفعل. مع السلامة يا صورة صينية الفراخ. كنتِ جميلة لكن لم يعد لك مكان في الجاليري.

بعد كل هذا الحذف غالبًا ستجد، مثلما وجدت أنا، مساحة فارغة لا بأس بها أبدًا.

خطوتك التالية هي النظر في ترشيحات تطبيق الصور نفسه. يرشح جوجل مثلًا الفيديوهات كبيرة الحجم والصور المهزوزة لحذفها، وينطبق هذا على كثير من تطبيقات الجاليري في كثير من الهواتف. مشكلة هذه الخطوة أن هناك بعض الصور رديئة الجودة فعلًا لكنها ذكرى من أوقات عزيزة على القلب.

اعتبرت ذلك تدريبًا على ترتيب الأولويات. فعلت الشيء نفسه: احتفظت بأكثر الصور وضوحًا من كل ذكرى.

توفر تطبيقات الصور خدمة ممتازة أخرى عليك أن تستغلها.

ألبومات صور الأشخاص.

إذا نظرت إليها، ستجد على الأغلب نفس ما وجدته: ألبوم فيه ١٩ ألف صورة لزميلك في العام الثاني للجامعة الذي أصر على أن تصوره عشرات الصور في معمل الكيمياء مرتديًا البالطو. اختفى كل هذا من حياتك، معمل الكيمياء والصديق، منذ سنوات.

ألبوم آخر للحبيب السابق لصديقتك، مع أن صديقتك نفسها قد حذفت صوره. لماذا يحتل هذا الحيوان مساحة من ذاكرة هاتفك؟ دعك من المساحة، بصراحة لو كنت مكانك كنت سأعتبرها إهانة لنفسي.

ستوفر هذه الخطوة الكثير من المساحة. يمكن أن تحتوي على قليل من الألم إذا تضمنت الصور بعض علاقات الصداقة أو الحب المنتهية نهايات حزينة، لكن لا يوجد خطوة للأمام في الحياة عمومًا دون ألم.

إذا كانت مشكلة المساحة لا تزال قائمة، يمكن أن تحاول فعل ما فعلته: بدأت بالبحث العشوائي عن أشياء بعينها: القمر مثلًا، وجدت مئات الصور للقمر في ليال مختلفة، وهي لمحة شاعرية لا بأس بها، لكن معظمها غير واضح ولن أفتقده غالبًا إذا حذفته..

فعلت الأمر ذاته مع الشروق والغروب والبحر، وحتى صور الحيوانات مئات الصور للقطط والبطاريق والزرافات، معظمها مكرر لأني أقوم بحفظ الصورة ثم أنسى أني حفظتها، أو أصور القطة من زوايا مختلفة، وهكذا، نختار أوضح الصور ونحتفظ بها.

بعد حذف كل ما يمكن حذفه، يأتي دور التنظيم، فتقسيم الصور بالأماكن والمناسبات، يسهل فيما بعد عملية البحث فيها، سواء لتنظيفها أو حتى لاستعادة الذكريات، فضلًا عن إحساس الرضا عن النفس الذي ستشعر به بعد الانتهاء من هذه العملية.

ربما تبدو عملية ترتيب فوضى الصور وتصنيفها عملية طويلة ومملة، وربما تستغرق أيامًا، لكنها تحتوي داخلها متعة من نوع خاص، متعة استعادة الذكريات خلال كل خطوة، ومتعة رؤية تغير حياتك عبر السنوات. وبعد الانتهاء منها سيعوضك شعور الراحة والإنجاز عن كل مجهود هذه العملية. وعلى كل حال، يمكن أن نعتبرها خطوة صغيرة، ربما تمتد بعدها لتنظيم كل فوضى أخرى في حياتنا.

أدعوك لأن تترك فيسبوك وتويتر وإنستجرام وسناب شات وتيكتوك ويوتيوب هذه الليلة، أو أي ليلة تناسبك، وأن تترك نفسك في هذه الرحلة. ستكون النتيجة مفيدة غالبًا على كل المستويات.. مساحة خالية تسمح لك بالمزيد من الصور أو التطبيقات، ومساحة تأمل فيما مضى. حتى لو شاب ذلك بعض الألم المصاحب للذكرى.

شارك هذا الـمقال