نشرت كتابًا. بين حين وآخر، أعتدت أن ألقي نظرة على مراجعاته على المواقع المختلفة. أشعر في البداية بأنني سعيدة الحظ؛ كثير من الناس أحبوا الكتاب. لكن السعادة التي شعرت بها لم تكن هي نفسها السعادة التي تخيلتها حين كنت أفكر في نشر كتاب.
في كل مرة أقرأ فيها رأيًا إيجابيًا عن الكتاب، أمر في عقلي بتسلسل الأفكار ذاته: أبتهج قليلًا، ثم تبدأ الأسئلة. هل يجاملني صاحب الرأي؟ هل كتبه من باب التعاطف؟ هل قرأ الكتاب كاملًا أم هذا الرأي بناءً على عينة صغيرة؟ هل تأثر بالآراء الجيدة الأخرى؟ عشرات الأسئلة، وينتهي بي الأمر غارقة في التشكك وعدم الثقة.
وعلى العكس تمامًا، كنت أصدق كل انتقاد أو تعليق سلبي منذ اللحظة الأولى ودون أي تشكك، أتعامل معه كأنه حقيقة مطلقة تمس اعتقادًا راسخًا في نفسي مهما اختلفت الوظيفة أو المهمة التي أنجزها: أنا لست جيدة فيما أفعل، وقد عرف هذا الشخص حقيقتي أخيرًا.
عرفت منذ زمن أن شعوري الدائم بأني لست بارعة فيما أفعله كما ينبغي، وأن كل من يخبرني العكس هو فقط يجاملني أو لم يعرف حقيقتي بعد، هذا الشعور الكريه لا يخصني وحدي، بل يشاركني فيه ملايين الناس في كل مكان.
وله اسم وتعريف واضح: ففي لحظة سحرية منذ سنوات، وصف أحد الأصدقاء على الفيسبوك مشاعر مشابهة، ثم ختم كلامه بتعبيره عن ضيقه من معاناته الدائمة من متلازمة المحتال. لحظة مدهشة ككل اللحظات التي تكتشف فيها أن ما تشعر به حقيقي، ومعروف، وله اسم.
تعرف متلازمة المحتال بأنها ببساطة مشاعر التشكك الدائم في الذات، وفي استحقاق ما وصل له الشخص. ربما يفكر المصاب بها بأنه حقق نجاحه بسبب الحظ أو الشفقة أو عدم قدرة الآخرين على معرفة حقيقته. ويصارع الإحباط الناتج عن هذا، والقلق الدائم من اللحظة التي سيكتشف فيها الآخرون أنه ليس ناجحًا أو بارعًا كما يبدو عليه.
المشكلة الحقيقية أن تأثيرها لا يقتصر فقط على الآثار النفسية، بل يمتد للحياة العملية.
لاحظت مثلًا إحجامي عن طلب الترقي أو التطلع لخطوة أعلى في مساري المهني، وهو أثر منطقي؛ لأنني إذا كنت لا أثق أني أستحق ما أنا عليه الآن، فكيف أتطلع لما هو أعلى؟ ربما أعمل بجد ثم أشعر بالخجل من عرض عملي بالطريقة التي تناسب المجهود المبذول أو تلقي الثناء عليه بسبب شعور عدم الجدارة إياه. إذاً، فمتلازمة المحتال عقبة حقيقية واقعية.
يبدأ كل شيء من عقولنا. لا تتعلق المتلازمة بآراء الآخرين فينا أو تقييمهم لعملنا كما نظن، بل تتعلق بنظرتنا نحن لأنفسنا. ولهذا يبدأ الحل بتشخيص المشكلة: متى شعرنا للمرة الأولى بهذا الشعور؟ في الطفولة؟ أم بعد صدمة معينة؟ أم بسبب مقارنتنا بالآخرين في مرحلة من حياتنا؟ معرفة السبب هي نصف الطريق، والاعتراف بوجود مشكلة حقيقية تحتاج لحل هو بداية الحل.
بعد ذلك يأتي دور الطريقة التي نتحدث بها مع أنفسنا. لاحظت أني في الأغلب أتحدث مع نفسي عن الأخطاء والسلبيات، وهو ليس شيئًا سيئًا إذا كانت النتيجة إصلاح الأخطاء، لكنه يصبح ضارًا لو كان هو الحديث الوحيد الذي نخوضه مع أنفسنا.
فمن حين لآخر نحتاج أيضًا للتركيز على نقاط قوتنا، والاعتراف بها، وتصديق الكلام الجيد عن عملنا، فلا شيء يجبر الناس على مجاملتنا طول الوقت، ونحن لسنا مخادعين مهرة لهذه الدرجة لنخدع كل هؤلاء. ربما ينبغي أن نصدقهم فعلًا ونقتنع أننا نبرع فيما نفعل.
ربما يساعدنا أيضًا أن نتعامل مع الآخرين على أنهم مجرد بشر مثلنا تمامًا. ربما — وهو احتمال لا بأس به — يعانون هم أيضًا من المتلازمة ذاتها، ويسألون أنفسهم نفس الأسئلة. بالتأكيد يبدون أكثر ثقة، لكن هذا ما نبدو نحن عليه من مسافة أبعد.
الغرور والثقة الزائدة هي سمة مميزة للحمقى والأغبياء الذين يسيئون تقدير قدراتهم ويتصورونها أكبر من حقيقتها، وهو ما يُطلق عليه متلازمة دانينج كروجر، لأن كل شيء يجب أن يكون له مسمى ما في نهاية المطاف. لكن على الناحية الأخرى، فالتشكك الدائم هو نوع آخر من الحماقة مهما كان ذكاء صاحبه، ففي النهاية هو أيضًا قد أساء التقدير.
لا يعني هذا أن نتوقف عن مراجعة النفس وإصلاح الأخطاء، لكنه يعني أن نستطيع على الأقل الاعتراف بأننا أنجزنا فعلًا، وأن كل إنجاز يستحق الاحتفاء ولو قليلًا. ولا يعني هذا أن نتوقف عن التساؤل، لكنه يعني ألا تتحول أسئلة الجدارة إلى هاجس مستمر يُنغّص علينا حياتنا.
ينتهي بي التفكير في هذا الموضوع إلى سؤال أعرف أنه سيطاردني طوال الأيام القادمة: هل هذا المقال جيد حقًا؟ أم أخدع نفسي؟