الرابعة صباحًا
٤٦٢ كلمة

من سنين، كان مجرد الاعتراف بأنك تذهب إلى العلاج النفسي شيء يُقال بصوت منخفض، وكأنه سرّ لا يجب أن يخرج من حدود الغرفة.

كان يُنظر إليه كعلامة ”جنون“ أو ضعف، وكأنّ الشخص الذي يطلب مساعدة محترف قد اعترف بفشله في تدبير حياته.

اليوم تغيّر المشهد تمامًا. فجأة أصبح عدم الذهاب إلى العلاج النفسي يُعتبر ”ريد فلاج“، وأصبح الكلام عنه، بل والتباهي به، جزءًا من الخطاب اليومي عند البعض.

علم الاجتماع عند بيير بورديو يشرح لنا هذا التحوّل: العلاج النفسي اللي كان زمان مرتبطًا بالخجل أو الوصمة تحوّل مع الوقت إلى علامة مكانة اجتماعية.

العلاج النفسي، في نظر البعض، أصبح ”رمزًا“ يدل على الوعي، وعلى الذكاء العاطفي، وعلى الانتماء لطبقة تملك رفاهية الوقت والمال لاكتشاف نفسها. شخص يستخدم كلمات مثل boundaries أو gaslighting أو trauma قد يبدو كأنه جزء من مجتمع ”فاهم نفسه“، حتى لو كان استخدامه للمصطلحات سطحيًا.

فترة كورونا، ومعها صعود النقاشات الدائمة على السوشال ميديا، فتحت الباب لخطاب واسع عن الصحة النفسية. فجأة بقى فيه ناس كتير بتتكلم عن العلاج، وبتشارك تجاربها، وتكتب عن القلق والاكتئاب والصدمات. وده عمل فرق كبير في الوعي العام، لكنه في الوقت نفسه خلق انطباعات متناقضة جدًا.

لسه في ناس شايفة إن اللي بيروح لثيرابيست ”بيتدلّع“، أو إن الجلسات دي رفاهية طبقية مش في متناول الناس كلها. وده حقيقي جزئيًا—العلاج النفسي ما زال مكلفًا، ويوجد في نظام غير متاح للجميع. ومع ذلك، وجود ناس بتستخدمه كـ“flex” لا يلغي إن فيه ناس تانية محتاجة العلاج فعلًا، وحياتها بتتغير بسببه.

في الطب النفسي بنفرّق بين الفائدة الأساسية للعلاج، وبين المكاسب الجانبية. الفائدة الأساسية هي الهدف الحقيقي: إن الواحد يشتغل على صدمات قديمة، يفهم نمط بيتكرر، يخفّف أعراض نفسية متعبة، أو يتعلّم طريقة جديدة للنظر للحياة ولمشاكله.

أما المكاسب الجانبية فهي الأشياء اللي بنستفيدها بشكل غير مباشر ومن غير وعي: زي إن الناس تتعاطف معانا أكتر، أو إننا نبرّر تصرفات مكناش عارفين تفسيرها، أو نبدو أكثر وعيًا بذواتنا.

وفهم الفرق ده مهم لأنه يفسّر ليه العلاج النفسي بقى في نظر البعض موضة أو تريند، بينما عند آخرين هو حاجة أساسية لا غنى عنها. الحقيقتان تتواجدان معًا، لا يمكن أن نمحي واحدة على حساب الأخرى. النضج هو إننا نشوف الاتنين، ونتعامل معاهم من غير تجريح ولا تبسيط.

العلاج النفسي مش دليل وعي تلقائي، ومش رفاهية طبقية فقط، ومش موضة فارغة… هو أداة. أداة ممكن تبقى منقذة، وممكن تبقى سطحية، وممكن تبقى حاجة في النُص حسب السياق والشخص والاحتياج. ما يهم فعلًا هو ألا نسمح لانطباعات الناس إنها تمنعنا من السعي للمساعدة عند الحاجة.

لأن الإنسان لما يعاني، مش مهم مين فاكر ده ”دلَع“ ومين شايفه ”فليكس“. المهم إن الاضطرابات والأمراض النفسية حقيقية، وإن علاجها ممكن، وإن الطريق ليها موجود—حتى وإن وجد حولها الكثير من الضوضاء.

يمكن السؤال الأهم مش: ”ليه العلاج النفسي بقى تريند؟“

السؤال الذي بإمكانه صناعة تغيير هو: ”إزاي ميكونش العلاج النفسي رفاهية؟“

شارك هذا الـمقال