⁠العاشرة مساءً
٥٧٤ كلمة

”هل تريدين التحدث إلى زوجك في التليفون؟“ سألتني السيدة بعد أن صدمت سيارتها من الخلف.

تردد السؤال في ذهني مرة تلو الأخرى حتى استوعبت ما قالت وما الذي ينبغي عليّ أن أقول. شعوري الأول كان الغضب. هل تتصور هذه السيدة أنني غير قادرة على تحمّل تبعات أخطائي بنفسي؟ شعرت بالغضب مرة أخرى لسبب آخر، ليس عندي زوج أحدثه كما فعلت هي سريعًا. أخرجت هاتفها، ضغطت بضع أرقام واستطاعت الوصول إليه على الناحية الأخرى بينما أنا واقفة أنظر إليها.

لكنني بصراحة، سريعًا ما شعرت ببعض الفخر. كان هذا هو الشعور الثاني، الفخر لأنني تمالكتُ شتات نفسي ووصلت إلى بيتي، واخترت عن وعي أن أطلب المساعدة من أصدقائي. تحدثتُ إليهم وأنا أبكي، كأني أقول لهم: أريد حضنًا وتربيتًا على رأسي يخبرني أن كل شيء سيكون على ما يرام.

كنت دائمًا ما أنظر إلى نفسي بإعجاب يشوبه بعض الغرور حين يتعلق الأمر بقيادة السيارات. أنا سائقة ماهرة، اجتزت امتحان القيادة من أول مرة على عكس أغلب معارفي. أفهم لغة السائقين من حولي، وبم يفكرون، وما هي خطوتهم اللاحقة قبل حتى أن تحدث. أعي جيدًا متى أقف ومتى أتجاوز السيارات من حولي، لم أمرّ بأي حادث من قبل على الإطلاق.

لكن تلك الليلة، حدث الأمر بسرعة غير مفهومة. اصطدمت بسيارة أمامي رغم أن سرعتي لم تتعدَّ ٢٥ ميلًا في الساعة. كنت أظنني أذكى من ذلك. شعور مريع بالفشل، وصَرح من الثقة بالنفس هوى فوق رأسي مرة واحدة. ولكن… لابد من مرة أولى.

عادة ما تصاحب التجارب الأولى لحظة يقظة، كأن نورًا قويًا أُضيء في عينيك فجأة. في البداية يكون الأمر مخيفًا، ثم تأتي لحظة إما الهروب أو التأقلم والقبول. بعد العديد من الضربات التي مررت بها، أشعر بالثقة أنني خبيرة كفاية وعلى استعداد لأي تجربة. لحظة اليقظة تلك دائمًا ما تأتي لتضحك بسخرية على غروري.

لسه أنا بعرف قليل*

لم أعتد على خوض التجارب وحدي، كان لي في الحقيقة زوج أتصل به في تلك الأوقات، لكن منذ ثلاث سنوات أصبحت مُرغَمة على مواجهة هذه المواقف بمفردي. بعد الحادثة، فتحت هاتفي أبحث عن ملاحظاتي التي أدون فيها كل التجارب السابقة، حلوها ومرّها، لأضيف: – أول مرة أعمل حادثة: حسّيت بـ…

تقع عيناي على تجربة أولى سعيدة. بعد وفاة زوجي، اقترح أصدقائي السفر يومين إلى إيطاليا. كانت أول مرة أسافر فيها بمفردي من دون ابني. ذهبنا إلى البحر، إلى شاطئ جميل هادئ. دخلنا للعوم، أصدقائي يعرفون العوم جيدًا، بينما أنا علاقتي بالبحر معقدة؛ أحبه لكني أخاف منه. لا أشعر بالثقة في نفسي بينما تغمرني المياه، ولا أعرف السبب تحديدًا، ربما بسبب حادثة وأنا صغيرة لا أتذكرها.

عادة ما أستخدم عوامة داخل الماء رغم شكلي المضحك، لكني أقول: لا يهم شكلي في مقابل إنقاذ حياتي. تلك المرة شعرت ببعض الثقة لأن أصدقائي معي، فدخلت معهم. وجدنا مركبًا صغيرًا، صعدنا عليه، وبدأ أصدقائي واحدًا تلو الآخر بالقفز منه. شعرت بغيرة وبحماس طفولي جدًا لتجربة الأمر.

بعد الكثير من محاولات إقناعي بالقفز، كان الخوف يتملكني، وكلما هممت بالقفز تراجعت في آخر لحظة. ساعدني شعوري بالذنب تجاه أصدقائي الذين يحاولون تشجيعي، وأنه لا يصحّ أن أغيّر رأيي في اللحظة الأخيرة. قررت أخيرًا، وقفزت لأول مرة في حياتي، وكان شعورًا مبهجًا بشكل لم أتخيل وجوده.

لاحقًا، كلما أذهب إلى البحر أتذكر تلك التجربة، وأقفز بثقة أكثر قليلًا وفي وقت أقل كثيرًا من المرة السابقة.

أفكر فأجد أن الشيء المشترك في التجربتين هو تذكيري الدائم بموقعي الصغير جدًا في هذا العالم، وبمحاولتي الدائمة في فهم نفسي من خلال تجاربي، وبقدرتي على تقبّل أخطائي، وبالأمل في تجارب جديدة أولى، علّها تأتي بشعور جميل مبهج لم أتعرف عليه من قبل.

لسه أنا بعرف قليل*
جزء من مسرحية ثورة قلق لفرقة الطمي
رابط الاستماع على ساوندكلاود

شارك هذا الـمقال