منذ أيام، جلسنا سويًّا كعادتنا. نفس المقهى، نفس الطلبات، نفس الضحك السهل. لكن شيئًا واحدًا تغيّر. كنتُ أعرفه فورًا، لكنه ظلّ معلقًا في الهواء، بلا اسم. كان مزعجًا، لا يُقال.
رائحتك، يا صديقي، كانت سيئة.
ليس فقط رائحة عرق، بل مزيج غريب من الإهمال، التعب، وربما شيء يشبه الاكتئاب الجسدي.
ظللت طوال اللقاء مشغولًا بإخفاء أنفي خلف الكوب، أملأ صدري بالقهوة قبل أن أقترب، أزيح وجهي قليلًا كلما اقتربتَ. أشياء صغيرة، أتقنّاها جميعًا، لكنّها لا تحلّ شيئًا.
هل أخبرك؟
هل أصمت؟
هل أهرب في المرات القادمة وأتظاهر بالانشغال؟
هذه ليست المرة الأولى. لكنّك صرت أقرب، وصار الصمت أصعب.
لقد قرأت كثيرًا عن مهارات التواصل، عن التغذية الراجعة الصادقة والشجاعة في العلاقات. يقولون إن الصدق يبني الثقة، وإن على الإنسان أن يقول الحقيقة ما دام نابعًا من المحبة.
لكن لا أحد يعلّمنا كيف نقول لصديق نحبه: رائحتك تؤذيني.
هذه الجملة ليست بسيطة، لأنها تمسّ الجسد. ونحن نعرف أن الجسد حساس. أن الجسد ليس مجرد عرق أو نظافة. أن الإنسان حين لا يعتني بجسده، غالبًا لا يكون بخير.
ولهذا، لا أريد أن أبدو قاسيًا.
أعرف أنك تمرّ بفترة صعبة. أنك تعمل كثيرًا، تنام قليلًا، تعاني من ضغط دائم. ربما تخرج من البيت متعبًا، ولا تنتبه. ربما تظن أن كل شيء تحت السيطرة، بينما يصرخ جسدك بما لا تقول.
لكن الآخرين لا يسمعون ذلك كله. فقط يشمونه.
المشكلة أن رائحتك تُبعد الناس. وهذا ظلم لك. لأنك، في الحقيقة، إنسان جيد، ذكي، محبوب. لكن الجسد حين لا يُصغي له صاحبه، يبدأ بالتعبير عن نفسه بطريقته.
أنا آسف لأنني لم أخبرك من قبل. كنت خائفًا: من الإحراج، من أن تظن أنني أحتقرك، من أن تصمت وتنسحب.
لكنني الآن أختار أن أقولها، لأن صداقتنا تستحق. لأنني لا أريد أن أتهرّب منك. ولأنني أعرف أن قلبك يتسع لكلمة صعبة، إذا قيلت بلطف.
”نحن لا نحتاج إلى الكمال. لكننا نحتاج إلى من يقول لنا الحقيقة حين نحتاجها.“
وها أنا أقولها، بكل ودّ:
اعتنِ بنفسك، صديقي.
رائحتك تؤلم، ولا تشبهك.