أحب مشاهدة أفلام هوليوود في بداية الألفينيات، الأفلام الخفيفة الرديئة نوعًا ولكن رداءة محببة، وللأسف توقفوا عن إنتاجها في السنوات الأخيرة.
تساعدني هذه الأفلام على تهدئة عقلي، لأنها خالية من المفاجآت؛ غالبًا تحكي عن زملاء عمل يتبادلون الكراهية في البداية ثم يقعون في حب بعضهم البعض، أو عن أصدقاء عمر يكتشفون قبل فرح أحدهم بأيام أن ما يجمعهم أكثر من الصداقة.
أو فتاة وحيدة في الأعياد تسافر فتقابل شابًا وحيدًا هو الآخر في القطار أو في الفندق، ويقضون العيد معًا ثم يصارحها بحبه، وهكذا.
يجد الناس الحب في هذه الأفلام بسهولة، ويقابلون من يشبههم أو يتوافق معهم في الشارع أو العمل أو القطار أو حتى تطبيقات المواعدة، وتنتهي قصتهم نهاية سعيدة دائمًا، لكن هذا في الأفلام فقط — لسوء الحظ.
في الواقع، لا يجد الناس من يشاركونهم حياتهم بهذه السهولة، إلا قلة محظوظة، يلتقون بالشخص المناسب تمامًا في الوقت المناسب والمكان المناسب.
أما معظم الناس، خصوصًا في هذه الأيام، فيتطلب الأمر منهم الكثير من المجهود والكثير من التوفيق أيضًا.
ففي حالات كثيرة لا تستمر علاقات فترة الجامعة، ولا يفضل الجميع مقابلة شركاء حياتهم في العمل لأنها وصفة صالحة لتدمير حياتك العاطفية والعملية في الوقت ذاته.
أما تطبيقات المواعدة، خصوصًا في منطقتنا العربية، فمن المعجزات أن تجد فيها علاقة جادة أو طويلة الأمد، غير أنها أيضًا وسيلة تفتقر للرومانسية بالنسبة لكثير من الناس.
في لحظات اليأس من إيجاد شريك حياتنا كما نتخيله، والإرهاق من المحاولات الفاشلة، بل وأحيانًا منذ بداية تفكيرنا في المضي قدمًا بحياتنا العاطفية، يأتي دور الأصدقاء والمعارف، والذين بكل تأكيد يعرفونك أفضل من كل تطبيقات المواعدة، ويعرفون تفضيلاتك أكثر من كل الخوارزميات مهما كانت ذكية.
كل ما يتطلبه الأمر هو بعض الثقة؛
الثقة في نفسك لتحديد ما تبحث عنه بالضبط في شريك حياتك — لا تعتمد على معرفة الأصدقاء بك وحدها، بل كن أكثر تحديدًا لتسهيل مهمتهم في الترشيح.
والثقة في أصدقائك لمصارحتهم بحاجتك لمساعدتهم، ومصارحتهم بتفضيلاتك.
والثقة في محبتهم لك وأن نظرتهم لك لن تتغير إذا قمت بهذه الخطوة.
قبل أن تقدم على خطوة الاستعانة بالأصدقاء، عليك أن تغير نظرتك للموضوع.
فلا يعني طلب مساعدتهم في إيجاد شريك حياتك أنك فشلت أو قصرت في شيء، أو أنك ستضطر للقبول بأي شيء، ولا يمس الأمر كرامتك أو يشكك في مدى جاذبيتك مثلًا.
بل يعني أنك اخترت طريقة أكثر دفئًا وأكثر منطقية في الوقت ذاته، وهي الطريقة التي وجد بها الناس الحب والشراكة منذ مئات السنين، قبل أن تتدخل الخوارزميات في الصورة.
أما إذا كنت أنت الشخص الذي سيدبر الموعد للأصدقاء، ففكر جيدًا قبل الاختيار.
فالموضوع يبدو مغريًا لأن جزءًا من ثقافتنا هو ”توفيق راسين في الحلال“، ولهذا فهو ليس بجديد علينا.
لكن الفكرة ليست في توفيق شخصين لا يجمعهما إلا العزوبية فقط، بل يتوقف الأمر على استغلال معرفتك الجيدة بصديقك في توفيقه مع من تعرف أن بينهما مساحة مشتركة أو فرصة للتوافق من أي نوع.
وأن يتم هذا بأقل قدر من التدخل؛ كل ما يتطلبه الأمر منك هو الخطوة الأولى فقط.
وسواء توافقوا أو لم يتوافقوا، فالموضوع لا يتعلق بك، فلا تحمل هم العواقب أو الخطوات التالية أو نتيجة اللقاء.
يمكنك الاطمئنان فقط، ولا تطلب التفاصيل ما لم يتطوع أحد الأطراف بمشاركتها، ولا تأخذ النتائج على محمل شخصي.
والأهم هو ألا تتحرك خطوة دون معرفة صديقك بها، فمحاولة التذاكي وتدبير موعد دون معرفة أطرافه — لتجنب إحراجهم — تؤدي غالبًا في النهاية إلى حرج مضاعف لجميع الأطراف.
الميزة الكبرى لعلاقات الصداقة العميقة أن الأصدقاء الحقيقيين يعرفونك أحيانًا أفضل مما تعرف نفسك، ولهذا ربما يعرفون فعلًا ما يناسبك.
وحتى لو لم تنجح العلاقة، فعلى الأقل عرفت أن صداقاتك عميقة، ولديك محبة صادقة من نوع آخر في حياتك!