جلست على حافة السرير أنظر إلى الكوب الفارغ على المكتب. الكوب الذي وضعته هناك صباح الاثنين، واليوم الخميس. بجانبه كتاب مفتوح على صفحة لا أذكر أنني قرأتها، ودفتر صغير عليه بقعة قهوة، وسلك شاحن ملتف حول نفسه مثل أفعى نائمة. كانت الغرفة تقول أشياء لم أكن مستعدًا لسماعها.
حين تعيش وحيدًا، يصبح ترتيب الغرفة مرآة يومية لك. لا أحد سيدخل فجأة ليعلّق على الفوضى، ولا أحد سيرتبها من ورائك. ما تتركه حيث تركته، ستجده في المكان نفسه. بقدر ما في هذا من حرية، فيه أيضًا عبء صغير: الغرفة تصبح صورة مباشرة لحالتك الداخلية.
علم النفس البيئي (Environmental Psychology) يدرس كيف يؤثر المكان في سلوكنا وحالتنا الذهنية. هناك ما يسمّى بـ ”نظرية التحفيز البيئي“، التي تقول إن الفوضى البصرية ترفع مستويات التوتر وتستهلك الانتباه حتى لو لم ننتبه لذلك بوعي. في دراسة نشرتها جامعة برينستون عام 2011، وُجد أن كثرة الأشياء في مجال الرؤية تقلل من قدرة الدماغ على معالجة المعلومات، لأن كل عنصر غير مرتب هو ”مهمة مؤجلة“ تلمّح لك من بعيد: أنا هنا، ولم تنته مني بعد.
لكن الساكن الوحيد لديه معضلة مختلفة: الغرفة ليست فقط بيئة، بل مساحة هوية. أنت ترتبها لا لتبدو جيدة أمام الآخرين، بل لتخدمك أنت.
في بداية عيشي وحدي، كنت أترك كل شيء في مكانه كما هو. كأن الغرفة امتداد لجيبي. لكني لاحظت شيئًا: كلما بدأت العمل وسط الفوضى، كانت خطواتي أثقل، وأفكاري أبطأ. أفتح اللابتوب، لكن عيني تذهب إلى الكومة على الكرسي، أو إلى الغبار على الرف. لم أكن أنظف فورًا، لكن عقلي كان يضع علامة حمراء على كل زاوية غير مرتبة.
ثم جربت العكس: قبل الجلوس للعمل، أخصص عشر دقائق فقط لترتيب شيء واحد — طي البطانية، مسح الطاولة، أو إرجاع الأطباق إلى المطبخ. النتيجة لم تكن مجرد غرفة أنظف، بل عقل أكثر هدوءًا. كأن إزالة طبقة من الفوضى الخارجية أزالت طبقة من التشويش الداخلي.
الترتيب لساكن وحيد لا يحتاج أن يكون مثاليًا. بل ذكيًا.
إليك ما تعلمته، ليس كقواعد صارمة، بل كروتين يخدم العيش لا يعذبه:
-
أماكن ثابتة للأشياء المتحركة: ضع سلة صغيرة قرب الباب للمفاتيح والمحفظة. إن لم يكن لها مكان، ستختفي.
-
مساحات فارغة متعمدة: رف أو طاولة لا يوضع عليها شيء أبدًا، لتكون دائمًا نقطة تنفس بصري.
-
جلسات ترتيب قصيرة: 10 دقائق صباحًا أو قبل النوم، لا لتنظيف كل شيء، بل لإعادة التوازن.
-
أدوات تقلل الفوضى تلقائيًا: صندوق لتجميع الأسلاك، منظم مكتب، أو حتى ستارة لإخفاء الرفوف المفتوحة.
في النهاية، ترتيب الغرفة ليس عن النظافة فقط، بل عن الإحساس بأن المكان لا يطالبك بشيء قبل أن تبدأ يومك. الساكن الوحيد يعرف أن الغرفة يمكن أن تكون إما صديقًا صامتًا أو شاهدًا صامتًا على فوضاك.
وفي الأيام التي تعجز فيها عن ترتيب كل شيء، ربما يكفي أن تغيّر شيئًا صغيرًا: كوب فارغ إلى الحوض، كتاب إلى الرف. إشارة لنفسك أنك حاضر هنا، وأنك — ولو قليلًا — أمسكت بخيط النظام في هذا العالم الصغير الذي يخصك وحدك.