تُظهر طريقتك، تدلّ على ذوقك، وتكشف عنك أكثر مما تظن.
ليست المكالمة فعلًا طارئًا، بل ممارسة يومية — قد لا تزيد عن دقيقتين — لكنها تقول الكثير: كيف تبدأ، متى تُقاطع، ما الذي تقوله عند الوداع، وما الذي تتركه دون أن يُقال، لكنه يُفهم.
المكالمة فنّ صغير، يمكن إتقانه، مثل طريقة جلوسك، أو نبرة ضحكتك، أو كلماتك في رسالة بريدية.
أولًا: لا تبدأ المكالمة من الهاتف… بل من الفكرة
قبل الاتصال، اسأل نفسك: ما الذي أريد قوله؟ هل هذه المكالمة للاطمئنان، للمتابعة، للمعلومة، للمجاملة؟ الهدف لا يجب أن يكون ثقيلًا، لكن يجب أن يكون واضحًا.
مثال:
مكالمة عمل سريعة؟ ابدأ بـ: ”معايا دقيقتين بس، وحبيت أتابع على…“
مكالمة ودية خفيفة؟ ”قلت أسمع صوتك بدل ما نبقى في الشات طول الوقت.“
مكالمة فيها شكر أو مجاملة؟ ”مش هطوّل عليك، بس حسّيت إن لازم أقول لك شكراً على…“
الأسلوب لا يفرض نفسه، بل يتأدّب مع السياق.
ثانيًا: التحية… ليست مجرد بداية
التحية تُشكّل الانطباع الأول، حتى بين أصدقاء قدامى.
بدلًا من ”ألو“ متسرعة، جرّب جملة قصيرة بنبرة دافئة:
-
”مساء الخير… صوتي واضح؟“
-
”صباح الفل، لو عندك وقت قلت أشاركك حاجة لطيفة.“
-
”أهلاً أهلًا، عامل إيه؟ حبيت أبدأ بيك النهاردة.“
هذه الافتتاحيات تعطي إشعارًا داخليًا للطرف الآخر:
-
”مساء الخير، هل الوقت مناسب عندك؟“
-
”أحببت أسمع صوتك… مفيش حاجة مهمة.“
-
”لو عندك دقيقة، عندي حاجة صغيرة كنت حابب أحكيهالك“
تخلق مزاجًا مختلفًا عن: ”ألو؟ إزيك؟“ أو ”كنت عايز أتكلم معاك في موضوع مهم.“ أنت لا تقتحم… بل تدخل بلطف.
ثالثًا: الصوت كأداة ذوق
الصوت ليس مجرد ناقل. هو نبرة، إيقاع، ومسافة.
-
اجعل صوتك واضحًا دون رفع زائد.
-
استخدم كلمات بسيطة… بنغمة صافية ومخارج حروف واضحة.
-
اترك مسافة بعد كل فكرة. الصمت القصير لا يعني أنك نسيت، بل يعني أنك تتيح للآخر أن يرد.
في علم التواصل غير اللفظي، يُقال إن نبرة الصوت تُشكّل ٣٨٪ من تأثير رسالتك. ما يُفهم من كلامك، أحيانًا، ليس في ”ماذا تقول“ بل في ”كيف قلتَه“.
رابعًا: جُملك هي أسلوبك
كوِّن لنفسك مكتبة من الجمل المفتاحية التي تعكسك:
عند البداية:
-
”أنا عارف إن وقتك ضيق، فهختصر.“
-
”لو الوقت مش مناسب، نتكلم وقت تاني براحتك.“
-
”مكالمة سريعة كده، حبيت أبدأ بيها يومي.“
أثناء المكالمة:
-
”أيوه، فاهمك كويس… كمّل.“
-
”أنا بس عايز أتأكد إني سمعتك صح…“
-
”ده معناه إنك كنت حاسس إن…؟“
عند الختام:
-
”اتبسطت إني سمعت صوتك، فعلًا.“
-
”خلّينا نتكلم على طول لما وقتك يسمح.“
-
”أنا مبسوط إننا اتكلمنا حتى لو مكالمة سريعة.“
-
”بالمناسبة، مكالمتك فرقت معايا النهاردة يومي بقى أحسن كتير.“
هذه الجمل لا تُلقَى كقوالب جاهزة، بل تُستخدم كما تختار قطعة في زيّك، لتضبط بها نغمة المكالمة، وتُعبر عنك دون شرح طويل.
من الذوق الحميمي إلى العملي:
-
مكالمة تهنئة بعد إنجاز: ”وصلني خبر المشروع، ومينفعش أعدّي الفرصة من غير ما أقولك شكرًا على المجهود.“
-
مكالمة تأكيد على موعد: ”حابب أأكد بس على معاد بكرة. مش هاخد من وقتك دقيقة.“
-
مكالمة متابعة ودية: ”ما جاليش رد على الإيميل، فقلت أتابع بنفسي… لو الوقت مناسب نتكلم.“
-
مكالمة ودية بلا مناسبة: ”مفيش مناسبة للمكالمة، بس حسّيت إني عايز اسمع صوتك“ / ”مختفية بقالك فترة، فقلت أتصل أتطمن.“
خامسًا: لا تُطِل… لكن لا تُبتر
المكالمة الجيدة تُشبه الحديث على باب البيت. قصيرة بما يكفي كي لا تثقل، طويلة بما يكفي لتترك أثرًا.
قاعدة ذهبية: إذا شعرت أن الطرف الآخر بدأ يُكرّر كلامه، أو يقلّ تفاعله، اختتم بلطافة قبل أن تُصبح المكالمة عبئًا.
-
”هسيبك دلوقتي بقى عشان تشوف اللي وراك، يومك سعيد.“
-
”مش عايز أطوّل، بس فعلًا حسّيت إن دي كانت مكالمة ضرورية.“
-
”نكمل كلامنا مرة تانية بقى طولت عليكي، اتبسطي النهاردة.“
المكالمة المثالية لا تحتاج سيناريو. هي فقط تحتاج إلى:
-
نية طيبة،
-
لغة بسيطة أنيقة،
-
نبرة لا تهاجم ولا تعتذر،
-
وجمل تُشبهك.
هي امتداد لذوقك في الكلام، لطريقتك في الوجود، ولقدرتك على أن تقول الشيء العادي… بطريقة لا تُنسى.
الأسلوب: لا تُكثِر، لا تُسرع، لا تشرح كل شيء
تقول Mary Oliver، الشاعرة الأميركية: ”الاختصار نوع من الاحترام.“ وفي المكالمة، ليس من المطلوب أن نقول كل شيء، بل أن نُحسِن قول الشيء المناسب فقط.
مستخدمين وسائل التواصل الشخصية ينصحون بقاعدة: جملة لكل فكرة، ونغمة في صوتك لكل شعور. بدلًا من شرح طويل: ”أنا مضغوط مؤخرًا وعايز أشاركك كذا حاجة…“ يكفي أن تقول: ”كان أسبوعًا ضاغطًا، وأدركت أني محتاج أشاركك ولو بجملة.“
متى تنتهي المكالمة؟
في المجتمعات الراقية تواصليًا، لا يُنظر للاختتام كقطيعة، بل كأناقة. مثل أن تُعيد الكوب بعد أن تنتهي، لا أن تتركه مكسورًا.
نماذج ختام:
-
”اتبسطت جدًا بالمكالمة دي، خلينا نكررها تاني قريب.“
-
”مبسوط إني سمعت صوتك، كنت محتاج ده“
-
”شكرًا على وقتك جدًا، نكمل كلامنا بعدين.“
وفي زمن يتحدث فيه الجميع عبر ”ميمز“ و”ستيكرز“ ورسائل بلا نبرة، تظل المكالمة الهاتفية أحد أكثر أشكال التواصل أناقة وإنسانية.
هي لحظة فيها صوت، حضور، وقُدرة نادرة على أن تُشبه نفسك وأنت تتكلم.